فصل: قال الفخر:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.فوائد لغوية وإعرابية:

قال ابن عادل:
قوله: {ولَهُ مَا سَكَن}: جملة من مُبْتَدَأ وخبر، وفيها قولان:
أظهرهما: أنها اسْتَئْنَافُ إخبار بذلك.
والثاني: أنها في مَحَلّ نَصْبٍ نَسَقًا على قوله: {الله}، أي: على الجملة المَحْكيَّةِ بـ {قل} أي: قل: هو الله، وقل: له ما سَكَنَ.
و{ما} موصولة بمعنى الذي، ولا يجوز غَيْرُ ذلك.
و{سَكَنَ} قيل: معناه ثَبَتَ واسْتَقَرَّ، ولم يذكر الزمخشري غيره.
كقولهم: فلان يسكنُ بَلْدَة كذا، ومنه قوله تبارك وتعالى: {وَسَكَنتُمْ فِي مساكن الذين ظلموا أَنفُسَهُم} [إبراهيم: 45].
وقيل: هو مِنْ {سَكَنَ} مقابل تَحَرَّك، فعلى الأوَّل لا حذف في الآية الكريمة.
قال الزمخشري: وتعدِّية بفي كما في قوله: {وَسَكَنتُمْ فِي مساكن الذين ظلموا أَنفُسَهُم} [إبراهيم: 45]، ورجَّع هذا التفسير ابن عطية.
وعلى الثَّاني اخْتَلَفُوان فمنهم من قال: لابد من محذوفٍ لِفَهْمِ المعنى، وقدَّر ذلك المحذوف معْطُوفًا، فقال: تقديره: لوه ما سَكَنَ وما تحرك، كقوله في موضع آخر: {تَقِيكُمُ الحر} [النحل: 81] أي: والبَرْد وحذف المعطوف فاشٍ في كلامهم، وأنشد القائل في ذلك:
كَأنَّ الحَصَى مِنْ خَلْفِهَا وَأمَامِهَا ** وإذَا نَجَلَتْهُ رِجْلُهَا خَذْفُ أعْسَرَا

وقال الآخر: [الطويل]
فَمَا كَانَ بَيْنَ الخَيْرِ لَوْ جَاءَ سَالِمًا ** أبُو حُجُرِ إلاَّ لَيَالٍ قَلاَئِلُ

يريد: رِجْلَهَا ويدها، وبين الخير وبيني.
ومنهم من قال: لا حَذْفَ؛ لأنَّ كُلَّ متحرك قد يسكن.
وقيل: لأنَّ المُتَحرِّكَ أقَلُّ، والساكن أكثرُ، فلذلك أوثِرَ بالذِّكْرِ.
وقيل: إنما خصَّ السُّكون بالذِّكْرِ، لأن النعمة فيه أكثر. اهـ.

.تفسير الآية رقم (14):

قوله تعالى: {قُلْ أَغَيْرَ اللَّهِ أَتَّخِذُ وَلِيًّا فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَهُوَ يُطْعِمُ وَلاَ يُطْعَمُ قُلْ إِنِّيَ أُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَسْلَمَ وَلاَ تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكَينَ (14)}

.مناسبة الآية لما قبلها:

قال البقاعي:
ولما نهض من الحجج ما لم يبق معه لذي بصيرة شك، كان لسان الحال مقتضيًا لأن ينادي بالإنكار عليهم في الالتفات عن جنابه والإعراض عن بابه فأبرز تعالى ذلك في قالب الأمر له صلى الله عليه وسلم بالإنكار على نفسه، ليكون أدعى لهم وأرفق بهم، ولأن ما تقدم منبئ عن غاية المخالفة، منذر بما أنذر من سوء عاقبة المشاققة، فكأنهم قالوا: فهل من سبيل إلى المواقة؟ فقيل: لا إلا باتخاذكم إلهي وليًا، وذلك لعمري سعادتكم في الدارين، وبتطمعكم في اتخاذي أندادكم أولياء، وهذا ما لا يكون أبدًا، وهو معنى قوله تعالى: {قل} أي مصرحًا لهم بإنكار أن تميل إلى أندادهم بوجه.
ولما كان الإنكار منصبًا إلى كون الغير متخذًا، لا إلى اتخاذ الولي، أولى غير الهمزة فقال: {أغير الله} أي الذي لا شيء يدانيه في العظمة {أتخذ} أي أكلف نفسي إلى خلاف ما تدعو إليه الفطرة الأولى والعقل المجرد عن الهوى كما فعلتم أنتم وآخذ {وليًا} أي أعبده لكونه يلي جميع أموري، ثم وصفه بما يحقق ولايته ويصرف عن ولاية غيره فقال: {فاطر السماوات والأرض} أي خالقهما ابتداء على غير مثال سبق {وهو} أي والحال أن الله: {يطعم} أي يرزق كل من سواه مما فيه روح.
ولما كان المنفي كونه سبحانه مفعولًا من الطعم، لا كون ذلك من مطعم معين، بني للمفعول قوله: {ولا يطعم} أي ولا يبلغ أحد بوجه من الوجوه أن يطعمه، والمعنى أن المنافع من عنده، ولا يجوز عليه الانتفاع، فامتنع في العقل اتخاذ غيره وليًا، لأن غيره محتاج في ذاته وفي جميع صفاته إليه، وهو سبحانه الغني على الإطلاق، وهذا التفات إلى قوله تعالى: {ما المسيح ابن مريم إلا رسول قد خلت من قبله الرسل وأمه صديقة كانا يأكلان الطعام} [المائدة: 75] وتعريض بكل ما عبد من دون الله ولاسيما الأصنام، فإنهم كانوا يهدون لها الأطعمة فتأكلها الدواب والطيور، فمعلوم أنها لا تطعم ولا تطعم روى الدارمي في أول مسنده بسند حسن عن الأعمش عن مجاهد قال: «حدثني مولاي أن أهله بعثوا معه بقدح فيه زبد ولبن إلى آلهتهم، قال: فمنعني أن آكل الزبد مخافتها، فجاء كلب فأكل الزبد وشرب اللبن ثم بال على الصنم» ومولاه كان شريك النبي صلى الله عليه وسلم قبل الإسلام، واختلف فيه فقيل: هو قيس بن السائب بن عويمر بن عائذ بن عمران بن مخزوم، وقيل: قريبه السائب بن أبي السائب صيفي بن عائذ بن عبد الله بن عمر بن مخروم.
وقيل: ابنه عبد الله بن السائب- والله أعلم؛ وله عن أبي رجاء- هو العطاردي وهو مخضرم- قال: «كنا في الجاهلية إذا أصبنا حجرًا حسنًا عبدناه، وإن لم نصب حجرًا جمعنا كثبة من رمل، ثم جئنا بالناقة الصفي فنفاج عليها فنحلبها على الكثبة حتى نرويها، ثم نعبد تلك الكثبة ما أقمنا بذلك المكان» وفيه أيضًا إيماء إلى أنه كما خلقكم كلكم من طين على اختلافكم في المقادير والألوان والأخلاق وهو غني عنكم، فكذلك خلق المطعومات على اختلاف أشكالها وطعومها ومنافعها وألوانها من طين، وجعلها منافع لكم وهو غني عنها، وسيأتي التصريح بذلك في قوله: {وهو الذي أنزل من السماء ماء فأخرجنا به نبات كل شيء} [الأنعام: 99] المستوفي في مضماره {فكلوا مما ذكر اسم الله عليه} [الأنعام: 118] وفي الآية كلها التفات إلى قوله أول السورة {ثم الذين كفروا بربهم يعدلون} [الأنعام: 1] وقوله في التي قبلها {ولو كانوا يؤمنون بالله والنبي وما أنزل إليه ما اتخذوهم أولياء} [المائدة: 81] في أمثالها مما فيه تولي الكفار لغير خالقهم سبحانه وتعالى، هذا لو لم يرد أمر من قبل الخالق كان النظر السديد كافيًا في التنزه عنه، كما كنت قبل النبوة لا ألتفت إلى أصنامكم ولا أعتبر للعبادة شيئًا من أنصابكم، فكيف وقد أمرت بذلك! وهو معنى {قل إني أمرت} أي من جهة من له الأمر، ولا أمر إلا له وهو من تقدم أن له كل شيء، وهو الله وحده {أن أكون} أي بقلبي وقالبي {أول من أسلم} في الرتبة مطلقًا، وفي الزمان بالنسبة إلى الأمة.
ولما كان الأمر بالإسلام نهيًا عن الشرك، لم يكتف به، بل صرح به جمعًا بين الأمر والنهي من هذا الرب الكريم الذي يدعو إحسانه وكرمه إلى ولايته، وينهى تمام ملكه وجبروته عن شيء من عداوته، في قوله عطفًا على {قل} على وجه التأكيد: {ولا تكونن} أي بوجه من الوجوه في وقت من الأوقات أصلًا {من المشركين} أي في عدادهم باتباعهم في شيء من أغراضهم، وهذا التأكيد لقطع أطماعهم عنه صلى الله عليه وسلم في سؤالهم أن يطرد بعض أتباعه ليوالوه، ونحو ذلك مما كانوا يرجون مقاربته منهم به، إعلامًا بأن فعل شيء مما يريدون مصحح للنسبة إليهم والكون في عدادهم «من تشبه بقوم فهو منهم». اهـ.

.من أقوال المفسرين:

.قال الفخر:

اعلم أنه فرق بين أن يقال: {أغير الله أتخذ وليًا} وبين أن يقال: أتخذ غير الله وليًا لأن الإنكار إنما حصل على اتخاذ غير الله وليًا، لا على اتخاذ الولي، وقد عرفت أنهم يقدمون الأهم فالأهم الذي هم بشأنه أعنى فكأن قوله: {قل أغير الله أتخذ وليًا} أولى من العبارة الثانية، ونظيره قوله تعالى: {أفغير الله تأمروني أعبد} [الزمر: 64] وقوله تعالى: {الله أذن لكم} [يونس: 59].
ثم قال: {فاطر السماوات والأرض}.
وقرئ {فاطر السماوات} بالجر صفة الله وبالرفع على إضمار هو والنصب على المدح.
وقرأ الزهري {فطر السماوات} وعن ابن عباس: ما عرفت {فاطر السماوات} حتى أتاني أعرابيان يختصمان في بئر فقال أحدهما: أنا فطرتها أي ابتدأتها وقال ابن الأنباري: أصل الفطر شق الشيء عند ابتدائه، فقوله: {فاطر السماوات والأرض} يريد خالقهما ومنشئهما بالتركيب الذي سبيله أن يحصل فيه الشق والتأليف عند ضم الأشياء إلى بعض، فلما كان الأصل الشق جاز أن يكون في حال شق إصلاح وفي حال أخرى شق إفساد.
ففاطر السماوات من الإصلاح لا غير.
وقوله: {هل ترى من فطور} [الملك: 3] و{إذا السماء انفطرت} [الإنفطار: 1] من الإفساد، وأصلهما واحد. اهـ.

.قال الثعلبي:

{قُلْ} يا محمد {أَغَيْرَ الله أَتَّخِذُ وَلِيًّا} ربًا معبودًا وناصرًا ومعينًا {فَاطِرِ السماوات والأرض} أي خالقها ومبدعها ومبدئها وأصل الفطر الشق ومنه فطر ناب الجمل إذا شقق وابتدأ بالخروج.
قال مجاهد: سمعت ابن عباس يقول: كنت لا أدري ما فاطر السماوات والأرض حتى أتاني اعرابيان يختصمان في بعير. فقال أحدهما لصاحبه: أنا فطرتها، أنا أحدثتها. اهـ.

.قال أبو حيان:

{قل أغير الله أتخذ وليًا فاطر السموات والأرض} لما تقدّم أنه تعالى اخترع السموات والأرض، وأنه مالك لما تضمنه المكان والزمان أمر تعالى نبيه أن يقول لهم ذلك على سبيل التوبيخ لهم أي من هذه صفاته هو الذي يتخذ وليًا وناصرًا ومعينًا لا الآلهة التي لكم، إذ هي لا تنفع ولا تضر لأنها بين جماد أو حيوان مقهور، ودخلت همزة الاستفهام على الاسم دون الفعل لأن الإنكار في اتخاذ غير الله وليًا لا في اتخاذ الولي كقولك لمن ضرب زيدًا وهو ممن لا يستحق الضرب بل يستحق الإكرام أزيدًا ضربت، تنكر عليه أن كون مثل هذا يضرب ونحو، {أفغير الله تأمروني أعبد أيها الجاهلون} {والله أذن لكم} وقال الطبري وغيره: أمر أن يقول هذه المقالة للكفرة الذين دعوه إلى عبادة أوثانهم، فتجيء الآية على هذا جوابًا لكلامهم، انتهى.
وهذا يحتاج إلى سند في أن سبب نزول هذه الآية هو ما ذكره وانتصاب غير على أنها مفعول أول لاتخذ.
وقرأ الجمهور {فاطر} فوجهه ابن عطية والزمخشري ونقلها الحوفي على أنه نعت لله، وخرجه أبو البقاء على أنه بدل وكأنه رأى أن الفضل بين المبدل منه والبدل أسهل من الفصل بين المنعوت والنعت، إذ البدل على المشهور هو على تكرار العامل وقرأ ابن أبي عبلة برفع الراء على إضمار هو.
قال ابن عطية: أو على الابتداء؛ انتهى.
ويحتاج إلى إضمار خبر ولا دليل على حذفه وقرئ شاذًا بنصب الراء وخرجه أبو البقاء على أنه صفة لولي على إرادة التنوين أو بدل منه أو حال، والمعنى على هذا أأجعل {فاطر السموات والأرض} غير الله، انتهى.
والأحسن نصبه على المدح.
وقرأ الزهري فطر جعله فعلًا ماضيًا. اهـ.

.قال الألوسي:

{قُلْ} للمشركين بعد توبيخهم بما سبق {أَغَيْرَ الله أَتَّخِذُ وَلِيًّا} إنكار لاتخاذ غير الله تعالى وليًا لا لاتخاذ الولي مطلقًا ولذا قدم المفعول الأول وأولى الهمزة ونحوه {أَفَغَيْرَ الله تَأْمُرُونّى أَعْبُدُ} [الزمر؛ 64] والمراد بالولي هنا المعبود لأنه رد لمن دعاه صلى الله عليه وسلم، فقد قيل: إن أهل مكة قالوا له عليه الصلاة والسلام: يا محمد تركت ملة قومك وقد علمنا أنه لا يحملك على ذلك إلا الفقر فارجع فإنا نجمع لك من أموالنا حتى تكون من أغنانا فنزلت.
واعترض بأن المشرك لم يخص عبادته بغير الله تعالى فالرد عليه إنما يكون لو قيل: أأتخذ غير الله وليًا.
وأجيب بأن من أشرك بالله تعالى غيره لم يتخذ الله تعالى معبودًا لأنه لا يجتمع عبادته سبحانه مع عبادة غيره كما قيل:
إذا صافى صديقك من تعادى ** فقد عاداك وانقطع الكلام

وقيل: الولي بمعنى الناصر كما هو أحد معانيه المشهورة، ويعلم من إنكار اتخاذ غير الله تعالى ناصرًا أنه لا يتخذه معبودًا من باب الأولى، ويحتمل الكلام على ما قيل أن يكون من الإخراج على خلاف مقتضى الظاهر قصدًا إلى إمحاض النصح ليكون أعون على القبول كما في قوله تعالى: {وَمَا لِىَ لاَ أَعْبُدُ الذي فَطَرَنِى وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ} [ياس: 22].
{فَاطِرَ السماوات والأرض} أي مبدعهما كما أخرجه ابن أبي حاتم عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما.
وأخرج أبو عبيدة وابن جرير وابن الأنباري عنه رضي الله تعالى عنه قال: كنت لا أدري ما فاطر السموات والأرض حتى أتاني أعرابيان يختصمان في بئر فقال أحدهما: أنا فطرتها يقول: أنا ابتدأتها، وهو نعت للجلالة مؤكد للإنكار، وصح وقوعه نعتًا للمعرفة لأنه بمعنى الماضي سواء كان كلامًا من الله تعالى ابتداءً أو محكيًا عن الرسول صلى الله عليه وسلم إذ المعتبر زمان الحكم لا زمان التكلم، ويدل على إرادة المضي أنه قرأ الزهري {فَطَرَ} ولا يضر الفصل بينهما بالجملة لأنها ليست بأجنبية إذ هي عاملة في عامل الموصوف، وقيل: بدل من الاسم الجليل، ورجحه أبو حيان بأن الفصل فيه أسهل، وقرئ بالرفع والنصب على المدح أي هو فاطر أو امدح فاطر، وجوز أن يكون النصب على البدلية من {وَلِيًّا} لا الوصفية لأنه معرفة، نعم يجوز على قراءة الزهري أن تكون الجملة صفة له. اهـ.

.قال ابن عاشور:

{قُلْ أَغَيْرَ اللَّهِ أَتَّخِذُ وَلِيًّا} استئناف آخر ناشيء عن جملة: {قل لمن ما في السماوات والأرض قل لله} [الأنعام: 12].
وأعيد الأمر بالقول اهتمامًا بهذا المقول، لأنّه غرض آخر غير الذي أمر فيه بالقول قبله، فإنّه لمّا تقرّر بالقول، السابق عبودية ما في السماوات والأرض لله وأنّ مصير كلّ ذلك إليه انتقل إلى تقرير وجوب إفراده بالعبادة، لأنّ ذلك نتيجة لازمة لكونه مالكًا لجميع ما احتوته السماوات والأرض، فكان هذا التقرير جاريًا على طريقة التعريض إذ أمر الرسول عليه الصلاة والسلام بالتبرّؤ من أن يعبد غير الله.